TodayPic

مجلة اخبارية

منوعات

زهرة الخليج – النسيان.. ليس نعمةً دائماً


#صحة

كثيرون يتوقون حيناً إلى نسيان أشياء، والاحتفاظ حيناً آخر بغيرها؛ فالذاكرة انتقائية ومزاجية في هذا العالم. وشتان ما بين التوق والواقع. في ظلِّ كل ذلك، هناك جائحة تضرب يميناً ويساراً، تصيب الصغار والكبار، هي «النسيان». «كوثر»، ابنة الثالثة والثلاثين، تعاني «النسيان»، إنها تنسى أسماء معارفها، وتدخل لجلب غرض، وتعود لتقول: «نسيت ما أريد جلبه». تضع مفاتيح سيارتها، وتنسى أين وضعتها، وتقف (بحكم عملها) أمام مجموعة تتلو على أفرادها مداخلة، وفجأة تنسى النقاط الأساسية التي يفترض بها أن تذكرها. هي مشكلة حقيقية، بدأت تواجهها منذ فترة، ولا تعرف لها سبباً. النسيان للبعض نعمة، لكن آفة النسيان التي تصيب «كوثر» منذ مدّة تتعبها، فحتى أسماء أصدقاء عمرها تكاد تنساها.. فهل النسيان مرض نفسي؟.. هل هو علامة مبكرة على اضطراب نفسي؟.. هل هو خَرَفٌ مبكر أم علامات مبكرة على الزهايمر، أم اكتئاب؟.. «كوثر» قلقة جداً.. فإلى من تلجأ؟.. إلى طبيب نفسي، أم طبيب مخ وأعصاب؟

هل تتذكرون ما تناولتم البارحة؟.. هل نسيتم سبب دخولكم المطبخ؟.. هل أردتم قول شيء، لكن عبثاً تحاولون تذكر ما أردتم قوله؟.. المحللة النفسية الدكتورة ريما بجاني ترسم رأس الإنسان كأنه دائرة مليئة بالأفكار والانشغالات غير المنظمة، وهذا ما يؤدي إلى ضغط مستمر. لذلك، تبدأ المواجهة من خلال تنمية القدرات الذهنية؛ لتخطي هذه المشكلة التي لا يعيرها الإنسان، أي إنسان، في زحمة أعماله اليومية الأهمية التي تستحق. واللافت أن مرض النسيان يكون نتيجة حتمية لتراكم المشاكل لدى شخص معين، تكون لديه – بحسب الطبيبة بجاني – «رغبة لاواعية في عدم تذكر المشاكل التي تحوم حوله، والقفز فوقها، ظناً منه أنه بذلك يحمي نفسه من الألم والتوتر والاضطراب. لكن آلية الدفاع هذه، التي يترجمها الإنسان بالنسيان اللاواعي الاختياري، تنسحب على ما يفترض به ألا ينساه».

هذا النوع من النسيان أمر طبيعي، لكن ليس لإنسان – أو إنسانة – بعمر الثالثة والثلاثين. لذا، لا بُدّ من استشارة طبيب؛ إذا لاحظتم مثل هذا الاضطراب على أنشطتكم الروتينية. والتشخيص المبكر من شأنه أن يفيد دائماً؛ لأنه يضع الإنسان، مجدداً، على المسار الصحيح للعلاج؛ لتأخير التدهور المعرفي قدر الإمكان. 

أسباب النسيان

ذهبت إحداهن إلى مقابلة مهنية، وقبل أن تطرق الباب نسيت اسم الشخص الذي تنوي مقابلته، ففتحت حقيبتها، وتناولت أجندة صغيرة، سجلت فيها الاسم. هذه الخطوة ساعدتها على تجاوز ما تعانيه. لكن، ماذا لو لم يكن الاسم مسجلاً في مفكرتها؟.. يا له من موقف محرج!.. فلماذا لا نتمكن – في كثير من الأحيان – من استرجاع المعلومات من الذاكرة؟!.. كلنا سألنا ذلك على الأرجح في لحظة ما. إنها ظاهرة يشكوها كثيرون. ولمعلوماتكم، نحو 90% من أسباب النسيان تتمثل في: قلة التركيز، والتوتر، والضغوط المتزايدة التي يعجز البعض عن تحملها. هناك نصيحة أخرى، من أخصائية علم النفس الدكتورة ريما بجاني: «ابتعدوا عن المشاكل، وحاولوا أن تتأقلموا أكثر معها». النصيحة مفيدة، لكن ماذا لو ظلّت المشاكل تلاحق إنساناً ما، مسببة له تدهوراً في الذاكرة؟ ماذا لو استمرّ في نسيان الأشياء التي يفترض به تذكرها، وتذكر الأشياء التي يودُّ نسيانها؟.. الثابت في علم النفس أن بعض أشكال النسيان مردُّها إلى إرادة كامنة لدى الشخص نفسه في التأقلم مع واقع معيّن، معتقداً أن النسيان قد يساعده في ذلك، فهو يستخدم عامل التأقلم مرّة. لكن، تدريجياً، يتحول ذلك إلى شكلٍ لا إرادي. هنا، في هذا النوع من الحالات، لا يكون النسيان نتيجة عوامل الشيخوخة الطبيعية.. فكيف لنا أن نعرف شكل النسيان الذي يجتاحنا؟.. النسيان بسبب اضطراب نفسي، يكون مصحوباً عادة بتراجع في الوظيفة الإدراكية، ومشاكل في التعامل مع الأرقام والأموال، كما يترافق مع تغيرات في الشخصية، والانسحاب الاجتماعي، والعدائية، والغضب السريع. 

تخزين التفاصيل 

النسيان جزء من الحياة، إذ ينسى الناس بسرعة مدهشة  ؛ فقدرة الدماغ على تخزين التفاصيل واسترجاعها محدودة، ويأتي التوتر النفسي ليزيد الطين بلة. 

هل شعرتم، يوماً، وكأن معلومةً ما قد اختفت للتوّ من ذاكرتكم؟.. أنتم تعرفون أنها موجودة، لكن عبثاً تحاولون العثور عليها.. لماذا يحدث ذلك؟.. تُعْرَف هذه الحالة في علم النفس بـ«الاضمحلال». الإنسان قد ينسى فكرة ما؛ بسبب ظاهرة تعرف بـ«التداخل»، أي أن بعض التفاصيل تتنافس وتتداخل مع أخرى، وعندما تكون المعلومات مشابهة لمعلومات أخرى تمّ تخزينها مسبقاً في الذاكرة، يحدث «التداخل»، فما الحل؟.. هناك أشياء يمكن القيام بها؛ لتقليل آثار تداخل المعلومات، وتقضي بالتدرب على المعلومات الجديدة، وتعلّم الأشياء الجديدة. هناك أمرٌ آخر بَعْدُ: «ارموا كل ما يُشكل ثقلاً عليكم في وعاء المهملات، ودربوا أنفسكم على ذلك؛ حتى لا تتأثر أعضاؤكم – واحداً تلو آخر – بالحمل الثقيل، ولا تدعوا الذاكرة تئن قبل الأوان». 

إذاً، تتعدد الأسباب والنتيجة واحدة (النسيان)، فالاكتئاب يؤدي إلى انخفاض الحالة المزاجية، وفقدان الاهتمام، ويؤدي حتماً إلى صعوبة التركيز والنسيان، كما تلعب قلة النوم دوراً في فاعلية الذاكرة، ويكون لذلك تأثير سلبي واضح، وأيضاً الإجهاد المفرط يعزز حالة النسيان.

تقليدياً.. فقدان الذاكرة يُصيب كبار السنّ، لكن الأبحاث الحديثة أظهرت أن عدداً من الأشخاص يبدؤون مواجهة مشكلة تذكر الأشياء، حتى قبل دخولهم منتصف العمر.. والسبب؟.. الحمل الزائد للمعلومات، والاعتماد على التكنولوجيا الحديثة، ويأتي الاكتئاب ليضغط أكثر على الذاكرة. لذلك، لا تصابوا بالهلع؛ إذا وقعتم في مصيدة النسيان، وأنتم مازلتم شباباً وشابات، بل اطرحوا على أنفسكم سؤالاً: هل نحمّل أنفسنا أكثر من قدرتنا على التحمّل؟



Source link

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *