TodayPic

مجلة اخبارية

منوعات

زهرة الخليج – مـبدعون يتحلقون حول زهرةٍ واحدة


#منوعات

لا يمكن أن نسمع كلمة «الربيع» من دون أن يتبادر إلى أذهاننا البيت الشعري الذي يتردد صداه في الذاكرة للبحتري، قائلاً: «أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً.. من الحسن، حتى كادَ أن يتكلما»، هكذا نشعر، حين تهبّ على أرواحنا نسائم الربيع المعتدلة، فتبتسم ضاحكةً مستبشرةً بالحياة، تمتلئ رئاتنا بأنفاس الورد، ونعود أطفالاً نلهو بين أراجيح الحقول، وطيورها المغردة، حتى تجاوز شعورنا هذا إلى الاحتفال به لدى بعض الشعوب قديماً، فجعلوا بداياته عيداً، كعيد النيروز لدى الفرس، وشاو ربيع لدى الجزائريين، وغيرها من الأعياد التي تحتفي به. الربيع بداية الحياة على الأرض، والحياة بداية كل شيءٍ جميل، في الفن، في الأدب، وفي الإنسان الذي يعمّر كونه بكل ما يستلهمه من الطبيعة وفصولها، من حبّ وإبداع.

استطلعت زهرة الخليج، رأي أكثر من مبدع في مجالاتٍ مختلفة، حول ما يمثله له الربيع، وما يمثل لإبداعه ويلهمه فيه، بين كاتبٍ وعازفٍ، وشاعر، وفنان، فكانت هذه خلاصة ما بثوه لنا من مشاعر تجاه هذا الفصل المزهر.

الربيع.. دائماً

لدى الفنانة فاطمة لوتاه، ربيعٌ دائم، فكما تجدّد بياض قماش لوحاتها بألوانها الزاهية، وتمليها عن فراغها، ترى أن الربيع يشعرها بالتجدد، تقول: «كأنك تتجدد، بعد أن تساقط الموت عنك، تزهر حياةً»، فكل أعمالها مهما كان فصلها الطبيعي، هي أعمالٌ ربيعية، بها من الأمل ما يشعّ، وفيها من الألوان كل ما حواه قوس قزح، فلا سبيل إلى أن يتساقط من أعمالها ورق، بل كل أغصانها خضراء دائماً، رغم تعدد ألوانها.

  • الشراكة بين الربيع والتعبير
    الشراكة بين الربيع والتعبير

الشراكة بين الربيع والتعبير

أما المترجمة والكاتبة باسمة المصباحي، فإن هذا الفصل يشعرها بالبهاء، الذي يضفيه على كل مكان تكون فيه، وفي أي وقت من أوقات اليوم، وعلى أي عمل تعمله. ترى بأن كل ما يحيط بها يترنم بأنغام الجمال خلاله، وتنسجم مع نسائمه المنسابة، وتنساق معها أفكارها العذبة، وتعابيرها المتناغمة. تخبرنا عما فعله بها الربيع مستفيضةً: «الربيع والتعبير يتشاركان الحروف وبعض المعاني. في الربيع الماضي بدأت بترجمة كتاب سيرة علمية لعالمة أشجار كندية، أجلس على مكتبي أمام نص مليء بالمصطلحات، تتراكب فيه الكلمات، وآخذ في تفكيكها كلمة كلمة، أرصها في عبارات، تتشكل بحروفها العربية على هيئة قصيدة. أسمع تغريد العصافير خلف النافذة، فأتخيل أني في تلك الغابات المطيرة، أشتم عبق أريجها الأخضر، أتماهى مع رطوبة الجو قبل هطول المطر، ومع أنسامه الباردة في أول ساعات الصباح.. أما هذا الربيع، أراجع مخطوطة الكتاب الأخيرة، أتأكد من تمام النص على الرغم من استحالة المهمة، وأسلم المخطوطة، آملة أن تنساب وتزهو كما يزهو الربيع، وتزهر عند من يقتنيها».

إشراقة القلوب قبل المروج

كخفة أصابعها المشتبكة بأصابع البيانو، تبصر العازفة والملحنة إيمان الهاشمي، انقشاع الغيوم وتواري الضباب والبرد عن الأنظار في فصل الربيع، تلتقط صورة أشعة الشمس الذهبية الدافئة، وهي تحتضن الطبيعة الخضراء، سروراً للناظرين وأرواحهم قبل عيونهم، حد الابتهاج، تبث لنا ألحانها اللغوية قائلة: «فالربيع يشرق في القلوب قبل المروج، ومن منا لا يستطيع أن يمتع ناظره بملكوت الله، وأن يشعر بنشوة الحياة، والتطلع لجانبها الإيجابي، في موسمٍ غنّاء مليء بالجمال الساحر، ومناجاة الخالق بروعة ما صنع لنا في هذه الدنيا، وكأنه لمحة خاطفة مما سنراه في الجنة بإذن الرحمن، ولذلك أنا لا أستدعي الإلهام في هذا الموسم سواء في ألحاني أو لوحاتي أو كتاباتي لأنه يأتيني مبتسماً وحده، فأحياناً ينام إلهامنا في بياتٍ شتوي بين ضلوعنا منتظراً نهوض الربيع لينهض معه».

شجرة التوت.. بداية الربيع

تعرفت الروائية إيمان الحمادي على الربيع في المدرسة، حين تعلمت عن الفصول الأربعة، إذ رأت رسوماتٍ لأشجار مكتسية بالزهور والأوراق في كتبها، بعد أن تساقطت أوراقها شتاءً، فلم تكن ترى الربيع حولها، سوى في عالمٍ خياليٍ تقرأ عنه في القصص التي تشعرها بلطف أجوائه. عن بداية تعرفها بالربيع تخبرنا: «سمعت من أبي ذات يوم أنّ شجرة التوت التي زرعها حديثًا في منزلنا تثمر في شهر مارس، لأنه بداية الربيع. فأصبح من عادتنا أنا وأختي أن نقطف ثمار التوت الطويلة كلّ يوم، حين نلعب في فناء المنزل عصرًا، ثم نعود إلى الداخل وأيدينا ملطّخة بالأحمر ونتناوله. انتقلنا إلى منزلنا الجديد، وانتقلت معنا شجرة التوت، وانضمّت إليها ثلاث أشجار أخرى، حينها بدأت أصدّق بأن الربيع موجود عندنا فعلًا فلا يمكن لتلك الأشجار أن تثمر من دونه. ثم زرع والدي أشجار الورد الطائفي، وكانت أيضًا تزهر في شهر مارس. وكنت أخبر الجميع -مهما كان الجوّ حارًّا- بأنّ الربيع قد حلّ فشجرة التوت أثمرت والورد الطائفي ظهرت براعمه.

وكما وجدت الربيع في الأشجار، وجدته في كتاباتي كالوردة التي تفتّحت للتو، طفلة تستقبل الشمس والماء، وتلعب مع قطرات الندى كلّ صباح. وجدته في تساؤلاتي البديهية التي أصيغها بكلمات بسيطة، لكن إجاباتها معقّدة غالبًا. فكما أيقنت بأن الربيع يسكن الأشجار، ويظهر في توقيته المحدد، كذلك سأعثر على إجابات لتساؤلاتي يومًا ما».

الشاعر.. صوت الجمال

تختال الشاعرة عبير البريكي بالحياة وجمالها مع الربيع، فهو يلهمها، كما يفعل كل مشهد وحدث في الكون، فيه من الجمال ما فيه، تختصر كل هذا بقولها: «الشاعر كائن متفاعل مع محيطه الداخلي والخارجي، اللون والصوت والرائحة عناصر تنصهر في ذاته فيراها عبر منظوره الخاص ويستحيل معها وبها إلى نتاج أدبي فذ، فهو الهادي إلى تلمس الجمال في الكون من خلال حرفه وتفاعله الروحي والفكري واللغوي الخاص».

القريحة المتفتحة مع الورود المستيقظة

كاتبة قصص الأطفال نورة الخوري، تخلق أفكارها الجديدة، من تأملها غير المقصود في أجواء الربيع، الذي يصفي ذهنها، ويصنع جسراً لعبورها إلى الورقة، تقول: «إذا كان الربيع محمّلاً بنسمات باردة بعبق المشموم، وإذا كان صفاؤه يجعل نبتات الحبق تنتعش وتخضرّ في أصصي، فهذا هو الربيع المنشود لتفَتّح القريحة».

أغنيتنا المورقة

وسنظل في كل ربيع، نردد أغنية سعاد حسني بحب وبهجة: «الدنيا ربيع، والجو بديع».



Source link

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *