TodayPic

مجلة اخبارية

منوعات

زهرة الخليج – فوبيا التلامس.. وسواس يتسلل في مرحلة الطفولة


#صحة

ذهبت لملاقاة صديقة عمرها «ميساء» في المطار، وحينما أطلت هرولت نحوها، احتضنتها، قبلتها، وكادت تطير فرحاً لتجدد اللقاء. وبعد تفريغ مشاعر الاشتياق، نظرت حولها؛ فرأت شاباً في مقتبل العمر، في العشرين، ينظر إليهما. أخبرتها صديقتها بأنه شقيقها الأصغر «وائل». ابتسمت له ابتسامة عريضة، وسارعت إلى الإمساك بحقيبة الحاسوب التي بين يديه، التي كادت تسقط أرضاً. لكنه، فجأة، صرخ عليها بشكلٍ هستيري، مردداً: «اتركي حقيبتي»، وقام بتصرفات غريبة، وبشكل هستيري، وأمسك أغراضه، وعاد أدراجه من حيث أتى.. شعرت بالخجل المقرون بالاستغراب، فماذا فعلت لينتفض؟.. هل أخطأت في شيء ما؟.. سألت صديقتها، التي كانت تَرْبُت على كتفها بأسى؛ فأجابتها: «اهدئي، لا تخافي، ولا تبالي، فشقيقي مصاب بفوبيا التلامس». إجابة لم تفهمها، فماذا تعني فوبيا التلامس؟ هل هي مرض نفسي؟ وما شكل وحدود وأبعاد هذا المرض؟

غريبٌ أن يتصرف الإنسان بهستيريا؛ إذا لمسه – أو لمس أغراضه – أحد. «ميساء» شعرت بالخجل من تصرفات شقيقها «وائل» المتكررة، فهو يغسل يديه مراراً، ويستحم تكراراً، ولا يسمح حتى لوالدته بأن تطبع قبلة على جبينه. ولطالما شعر بوساوس وخوف من التعرض للتلوث، عبر لمس أشياء قام آخرون بلمسها. لكنه، في الفترة الأخيرة، بات يصاب بنوبات هلع، وزيادة في معدل ضربات القلب والتعرق؛ إذا لمسه أحد، أو حتى بمجرد التفكير في أن أحداً ما قد يلمسه.. ما رأي الطب النفسي في هذا الموضوع؟

لا يأتي فجأة

يتحدث طبيب الأمراض النفسية والعقلية، الدكتور سمير جاموس، أحد مؤسسي الجمعية اللبنانية للطب النفسي، عن وساوس قهرية عدة، تصيب أشخاصاً معينين، فيقول: «المرض قد يبدأ بالتسلل إلى الإنسان منذ طفولته، خاصة في المرحلة العمرية بين 10 سنوات و14 سنة، وتأتي الضغوط النفسية لتزيد شدة الحالة، خاصة إذا مرّ الإنسان بحزنٍ عميق، بسبب حالة موت أو فقدان وظيفة أو صدمة عاطفية». نفهم من هذا أن الوسواس لا يأتي فجأة؟ يجيب: «هذا صحيح، فقد يبدأ بسيطاً ثم يشتدّ، لذا على الأهالي الانتباه إلى تصرفات أولادهم. فليتأكدوا ما إذا كانت الأغراض عابرة، مثل: غسيل اليدين المتكرر، أو الثورة والغضب إذا لمس شخص ما أغراضهم، أو لمسهم قصداً، أو بغير قصد، أحد». 

فوبيا التلامس وسواس ورهاب، ويسمى هذا الوسواس «هافيوفوبيا»، ويقصد به الخوف من التلامس. «وائل» يعانيه، وبسببه يعيش حياة صعبة.. فهل لنا أن نعرف – بشكلٍ أدق – عن هذا النوع من الحالات؟.. يتحدث الطبيب النفسي عن أعراض تشير بشكل واضح إلى الإصابة بفوبيا اللمس، أبرزها: ارتفاع معدل ضربات القلب، الشعور بقشعريرة تسري في الجسم، التعرق ومواجهة حالات هلع وذعر، البكاء، الهروب، الاكتئاب، الانفعال والغضب، والهبات الساخنة.

الطبيب النفسي يراجع نقاطاً عدة، وهو يدرس الحالة التي بين يديه، بينها: التاريخ المرضي للأسرة، التعرض لتحرش في الصغر، مواجهة حالة نفسية حادة، الصدمة، الخوف من الإصابة بالجراثيم، وهاجس النظافة. ويهم، هنا، أن نعرف أن الأشخاص سريعي الانفعال، وذوي الحساسية العالية، يكونون أكثر عرضة للإصابة من غيرهم.

خيارات علاجية

والسؤال المهم: هل معاناة المصاب هذا المرض ستلازمه طوال العمر؟.. يقول الدكتور سمير جاموس: «لا يوجد علاج واحد شافٍ كافٍ لهذه الحالة، فهناك خيارات علاجية عدة، يمكن أن تساعد – إلى حدٍّ كبير – على التحكّم في هذه الحالة، منها: تعريض المريض لما يرهبه، مثل تلامس فجائي، تحت إشراف المعالج نفسه. يحاول الطبيب، هنا، أن يبني ما يُشبه بيئة آمنة للمريض، تسمح له بأن يتصالح مع نفسه فيها، فهو يحاول تغيير مشاعر مريضه السلبية أمام عينيه. وهناك، أيضاً، علاجات دوائية، غالباً تُعطى لفترات طويلة. وهنالك علاجات سلوكية، تساعد على تغيير الأفكار السائدة، ما يسمح للمريض بالسيطرة على ما يسبب له الخوف والرهاب».

فلنسأل من جديد: ما معنى أن يكون الإنسان مصاباً بفوبيا اللمس؟.. صحيح أنه لا علاقة مباشرة بين التوحد و«الهافيوفوبيا»، غير أن العلم يربط بين الاثنين من حيث عمل الدماغ، حيث تبين أن دماغ الشخص المصاب بالتوحد يستجيب للملامسة الجسدية بالطريقة نفسها، التي يستجيب بها دماغ الشخص المصاب برهاب الملامسة. الثابت، هنا، أن الحياة تتطور، إيجاباً أو سلباً، لذا من الضروري أن ننام بعينين مفتوحتين يقظتين؛ لالتقاط أولى الإشارات مبكراً؛ حتى لا تتحول حياة إنسان – بفعل رهاب اللمس – إلى جحيم.



Source link

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *