لكن هذه لم تكن قهوة ستاربكس، كما تقول جيزيم سالسيجيل وايت، التي تعمل منذ ما يزيد عن عشر سنوات في الولايات المتحدة لتقديم التقليد التركي الفريد واحترام القهوة، من خلال شركتها سيدة القهوة التركية.

وقالت: “القهوة التركية ليست من نوع القهوة التي تأخذها لتشربها في أي مكان”. “إنه المكان الذي تستمتع فيه باللحظة. إنه يرمز إلى الضيافة والصداقة ويجمع الناس معا”.

تم إدراج القهوة التركية بتقليدها العتيق، في قائمة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو في عام 2013.

فالقهوة هنا هي الثقافة السائدة في المناسبات الاجتماعية، إذ تلعب دورا في مراسم الخطوبة والتجمعات العائلية والأعياد. ومع ذلك، فإن أحد أكثر الطقوس إرباكا هو قراءة الفنجان، وهو الفن القديم لقراءة المستقبل والطالع من خلال رموز تظهر في الفنجان بسبب القهوة المطحونة.

يمكن إرجاع هذا التقليد إلى حريم السلطان سليمان، حيث تم استبعاد النساء من دخول المقاهي العامة. بدلا من ذلك، سُمح للعرافين، أو قارئ الفنجان، بالدخول إلى الحريم لقراءة الأنماط والأشكال التي تعلق في الفنجان بعد تناول القهوة.

وتوضح جيزيم سالسيجيل وايت أنه في الثقافات الأخرى، كانت العرافة تمارس عملها باستخدام أوراق الشاي أو رواسب النبيذ، ولكن في اسطنبول سرعان ما أصبحت القهوة المطحونة أداة الاتصال المفضلة للعرافات. كانت الطقوس وسيلة لتداول الأخبار والقيل والقال، بما في ذلك الزوجات اللواتي يفضلهن السلطان.

بعد أكثر من 500 عام، لا تزال قراءة الفنجان أو ما يعرف اصطلاحا “تاسيوغرافي” Tasseography (ممارسة الكهانة بقراءة القهوة المطحونة أو أوراق الشاي) قوية في تركيا. يقدم العرافون التوجيه الروحي من بعض المقاهي التقليدية، ولكن تطور الأمر ووصل أيضا إلى الأجيال الجديدة. يشترك ملايين الأتراك الآن في التطبيقات التي تقدم قراءات لفناجين القهوة من خلال الذكاء الاصطناعي أو التطبيقات التي تربطهم بالعرافين الافتراضيين.

في رحلة قمت بها مؤخرا إلى اسطنبول مع والدتي، زرت أحد المقاهي التقليدية في المدينة بحثا عن لمحة عن المستقبل ومعرفة الطالع.

يتوجه معظم الزوار الباحثين عن العرافين إلى الأماكن البارزة في شارع الاستقلال، حيث تعرض لافتات النيون بطاقات التارو ورؤساء الملائكة، وتنتظر العرافات بالكحل الأسود المجنح على العيون والشالات المخملية فوق الرأس في غرف مظللمة.

لكن بدلا من هذا رتبت للقاء روزا موتلو، التي تقرأ الفنجان للزائرين بينما تزيل الغموض عن القواعد والطقوس المعقدة المحيطة بالقهوة التركية. التقيناها أنا وأمي وكانت ترتدي الجينز وسترة ذات قلنسوة (هودي)، وقادتنا روزا إلى مقهى كلاسيكي في بيوغلو حيث كان العملاء الآخرون يستمتعون بوجبة الإفطار، ويتابعون أعمالهم ويتواصلون مع الأصدقاء.

طلبت عدة فناجين قهوة بسيطة، لا تحتوي على أية إضافات فاخرة، لكنها كانت مليئة بالرمزية. وقالت إن قراءة القهوة هي أمر وراثي من الأمهات، وعادة ما تنتقل من الجدات إلى الأمهات، وبدأت شهرة روزا موتلو عندما كانت في المدرسة الثانوية حينها اكتشفت موهبتها في تفسير المستقبل.

أحضر لنا النادل قهوتنا، وقامت روزا على الفور بتمرير الفنجان الذي يحتوي على رغوة إلى أكبر من يجلس على الطاولة، وهي أمي، كبادرة احترام. ارتشفنا قهوتنا، مبتسمين رغم مذاقها المر، حتى لم يبق سوى الرواسب التي تشبه الطين.

ثم تمنينا أمنية، وقمنا بتدوير الفنجان ثلاث مرات، ووضعناه على الطبق بشكل مقلوب لمدة خمس دقائق حتى تستقر الرواسب. وضعنا خاتما أو عملة معدنية فوق الفنجان، ويتوقف ما نضعه على ما إذا كنا نريد التركيز على العلاقات أو العمل. أخيرا، كررنا عبارة neyse halim çiksin falim (“مهما كنت، فليكن في فنجاني”) ورفعنا الفنجان ليكشف عن الطبق.

تنهدت بارتياح لأن أرضية الطبق لم تتشكل فيها كتلة من الرواسب، وهو ما حذرت منه العرافة من أن هذا يكون علامة العين الشريرة. لكن للأسف لم يلتصق كأسي بالطبق، وهو كأس النبي المحظوظ، علامة على أن كل أمنياتك ستتحقق.

بإصبعها، رسمت العرافة جانبا واحدا من الكأس للإشارة إلى الماضي والجانب الآخر، إلى المستقبل. قامت بمراجعة نموذج للأنماط والأشكال، في محاولة لفك رموز الحيوانات والأرقام والأيقونات والحروف. الطائر، على سبيل المثال، نذير بشرى سارّة، والحصان أمير أو أميرة، والسمكة حظ سعيد، والثعبان عدو.

أخبرتنا أن القراءات لا تتعلق فقط بالرموز، بل بالتظليل وأحجام الأشكال، والأهم من ذلك، طاقة شاربي القهوة.

وقالت روزا موتلو: “نحن لا نبالغ في قراءاتنا، لكنها تساعد في توجيهنا”. وبعبارة أخرى، لا ينبغي للناس أن يعتبروا نبوءات الطلاق أو الحمل أو التغيير الوظيفي بمثابة شيء مقدس، على الرغم من أن العرافة تقول إن العديد من زوارها اتصلوا بها بعد ذلك للتأكد من غرابة قراءاتها.

وقالت إن قراءة الفنجان أيضا وسيلة لتكوين اتصالات أعمق وأسرع. على سبيل المثال، عندما تعاود العرافة التواصل مع أصدقائها المقربين بعد عدة سنوات، تقول إنها تستطيع تجنب الأحاديث التافهة، والتوجه مباشرة إلى الأمور التي تهم القلب. “لقد أصبحت لدي علاقات أوثق بفضل هذه القهوة المطحونة. يمكننا التحدث عن كل شيء، من آبائنا إلى همومنا. إنها تمثل اختصار في المحادثة”.

أنا أيضا وجدت أنني بدأت أتحدث فجأة عن مشاكلي وتوتراتي وتجاربي الحياتية وتطلعاتي للمستقبل.

تشجعت وقررت استخدام القهوة التركية لفتح حوار، توجهت إلى شخص غريب في مقهى في وقت لاحق من ذلك اليوم وسألتها عما إذا كانت قد قرأت حظها. وأكدت يونكا أوغوز، وهي في أوائل العشرينيات من عمرها، أن هذه الطقوس لا تزال تحظى بشعبية كبيرة بين النساء التركيات. وقالت: “عندما يواجه أحد أصدقائنا أزمة، نجتمع معا ونقرأ الفنجان”.

ومع ذلك، بالنسبة لجيلها، فإن هذا يتغير إلى القراءات الافتراضية.

في عام 2017، أنشئت لعبة إلكترونية اسمها فلادين Faladdin، تتناول “قراءة الفنجان” وتعني “فال” بالتركية، وقصة “علاء الدين”، أشرف عليه عارض الأزياء والمؤثر سيرتاك تاسديلين، الذي نشأ مع أم يمكنها قراءة فنجان القهوة.

وفي عام 2010، بدأ أصدقاؤه بإرسال صور فناجين القهوة الجافة إلى والدته، التي كانت ترد عليهم بقراءة ما فيها عبر البريد الإلكتروني. في نهاية المطاف، تطور هذا إلى التطبيق، الذي يقوم بقراءة الفنجان تلقائيا. وقال أوغوز إن هناك حاليا خمسة ملايين مشترك على تطبيق فلادين، في جميع أنحاء العالم وهو كبير في تركيا مثل تطبيق Tinder.

في الولايات المتحدة، يزدهر الاستبصار أيضا بين الجيل الجديد (بداية من مواليد التسعينيات)، حيث تقوم تطبيقات التنجيم مثل Co-Star بتزويد المستخدمين بتوقعات الأبراج اليومية. ووجدت دراسة أجريت عام 2021 أن الأمريكيين الشباب يكثفون ممارساتهم في الاستبصار، حيث ينخرط 51 في المئة من عينة السكان، الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و25 عاما، في “بطاقات التارو أو قراءة الطالع”.

تقول جيزيم سالسيجيل وايت: “يحتاج الكثير منا إلى التوجيه، وفي بعض الأحيان يكون من الأسهل التحدث إلى شخص غريب”.

في عام 2023، انتشر مقطع فيديو على موقع تيك توك أظهر مقهي جيزيم في الإسكندرية، بولاية فيرجينيا الأمريكية. وحصد المقطع أكثر من 30 ألف إعجاب، حيث قدم العراف في المقهى قراءة كوميدية دقيقة لفنجان أحد الشخصيات المؤثرة في تقديم مشورات حول اللايف ستايل.

وقالت جيزيم إن العراف هذا أصبح مشهورا، ويجري القيام بالحجز للحصول على استشاراته في المقهى الآن قبل أشهر من قبل أشخاص من جميع الأعمار والجنسيات.

وعلى الرغم من أن الخلفية ربما تكون قد تغيرت، من العرافات إلى المقاهي إلى شاشات الهاتف، فإن الطلب على مؤشرات وتفسيرات للحياة لا يزال قائما.

وختمت جيزيم حديثها: “إن قراءة الطالع في فنجان القهوة هي طقوس عمرها قرون، وكانت شائعة منذ 500 عام وما زالت تحظى بشعبية حتى يومنا هذا”. “قد نكون في مرحلة مختلفة من التواصل التكنولوجي، ولكن المنطق الأساسي هو نفسه- الجميع يريد أن يعرف المستقبل”.