TodayPic

مجلة اخبارية

اخبار عامة

“جنود الرب” يهاجمون حانة في بيروت: خطاب كراهية المثليين يُترجم عنفاً


ناشط من جمعية "حلم" خلال تظاهرة في لبنان عام 2013

صدر الصورة، AFP

التعليق على الصورة،

ناشط من جمعية “حلم” خلال تظاهرة في لبنان عام 2013

اقتحم عناصر من مجموعة تسمّي نفسها “جنود الرب”، حانة في بيروت، ليل الأربعاء، واعتدوا على شباب وشابات كانوا يشاهدون عرض “دراغ كوين”.

وانتشرت تسجيلات فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر تعرّض روّاد الحانة الواقعة في منطقة مار مخايل للمحاصرة والاعتداء.

وأغلق العاملون في الحانة، بحسب الشهود، الأبواب لحماية العشرات من رواد المكان، في وقت تعرّض عناصر المجموعة لعدد منهم لفظياً وجسدياً وتسببوا بأضرار مادية في الخارج.

وقال أحد الشهود إن عناصر من المجموعة رددوا مراراً عبارة “نحن جنود الرب، ستحترقون في نار جهنم”.

ويُسمع أحد المعتدين في تسجيل متداول وهو يصرخ: “هذا المكان هو مكان إبليس”. وأضاف بنبرة تهديد: “لا زلنا نتحدث معكم بالكلام. هذه ليست إلا البداية”.

تحدثت بي بي سي نيوز عربي مع أحد الفنانين الذي كان يقدّم عرض “دراغ” في الحانة، ويعرف باسم “إيما غرايشن”.

ويقول في اتصال معنا إن التوتر بدأ بعد نحو ربع ساعة من بداية العرض، حين أبدى شخص متواجد في الخارج، انزعاجه.

ورغم محاولة القيمين على المكان حلّ المشكلة، اتصل الرجل بآخرين، فحضر نحو 10 أشخاص، يقولون إنهم من جماعة “جنود الرب”، وبدأوا بالصراخ وتهديد الجمهور، واعتدوا على عدد من الأشخاص الواقفين في الخارج.

خلال تظاهرة أمام أحد مراكز التوقبف في لبنان للمطالبة بالإفراج عن عابرة جنسياً عام 2016

صدر الصورة، AFP

التعليق على الصورة،

خلال تظاهرة أمام أحد مراكز التوقبف في لبنان للمطالبة بالإفراج عن عابرة جنسياً عام 2016

ويخبرنا “إيما غرايشن” أنه كان يقدّم العرض مع “دراغ كوين” آخر، وحين بدأ الإشكال، انسحبا إلى مكان آمن حيث انبطحا على الأرض، ولفا نفسيهما بأغطية، كي لا يصعّد المهاجمون من اعتدائهم، إن لمحاهما مجدداً.

وتابع أن عناصر قوى الأمن حضروا إلى المكان، ولكنهم لم يوقفوا أي واحد من المعتدين، بحسب قوله.

يأتي هذا الاعتداء بعد أسابيع شهد لبنان خلالها تصاعداً في خطاب الكراهية ضدّ مجتمع الميم عين. يقول “إيما غرايشن” إن تلك الحملة دفعته لتوخّي الحذر، لكنه لم يتوقّع أن تصل الأمور إلى ما شهدته بيروت ليل الأربعاء، لأنه “سابقة في تاريخ البلاد”.

ويقول إنه “ليس خائفاً” ولن يتوقف أبداً عن تقديم عروض “دراغ”، لكنه سيفكر بتقديمها بطريقة أو مكان “أكثر أماناً”. وأضاف: “لن يستطيعوا إسكاتنا، لن يستطيعوا محونا، لن يستطيعوا إلغاءنا”.

من هم “جنود الرب”؟

صورة من صفحة "جنود الرب" على فيسبوك

صدر الصورة، Facebook

“جنود الرب” مجموعة منظمة يقدر عدد أعضائها بأكثر من 100، يمكن وصفها بأنها مجموعة مسيحية متطرفة.

هناك روايتان عن تاريخ وظروف تأسيس “جنود الرب”.

الأولى أن المجموعة تأسّست في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام 2020 في منطقة الأشرفية في العاصمة بيروت، مع اشتداد الأزمة الاقتصادية، بهدف ممارسة ما يسمى بالأمن الذاتي و”حماية المناطق المسيحية والدفاع عنها”، وهي الرواية التي اعتمدها كثيرون منذ ذلك الوقت.

أما الرواية الثانية فهي أن تاريخ المجموعة ولو ليس بشكلها الحالي، يعود إلى العام 2019، مع بروز اسمها خلال الحملة المتطرفة ضد فرقة “مشروع ليلى” الموسيقية ومنع حفلتها في “مهرجانات بيبلوس الدولية”.

يظهر عناصر المجموعة غالباً بقمصان سود، ويتجولون حاملين الصلبان، أو في سيارات تحمل شعارهم وهو عبارة عن جانحي ملاك يتوسطهما درع عليه صليب. كما ينظمون مسيرات خلال الأعياد الدينية المسيحية، وينشرون آيات من الإنجيل عبر صفحتهم على فيسبوك.

وسبق للمجموعة ذاتها أن حرّضت الصيف الماضي ضد المثليين. ونشرت حينها مقطعاً مصوراً يظهر شباناً غاضبين، يقتلع أحدهم وروداً بألوان قوس القزح رفعت على لافتة إعلانية مع وسم #الحب_يزهر_دوماً.

كذلك أعلنت عن رفضها التام للزواج المدني واصفة إياه بـ”قانون الشيطان”.

وكان آخر جدل تسببت به المجموعة، في 10 ديسمبر/كانون أول الماضي، خلال بطولة كأس العالم في قطر، عندما وقع اشتباك بين عناصرها، ومحتفلين بتأهل المغرب إلى الدور النصف النهائي، مرّوا في منطقة الأشرفية حاملين أعلاماً لدول عربية.

وفي إحدى الليالي اللاحقة لهذه الحادثة، جال عناصر من “جنود الرب” في شوارع الأشرفية، وحمل قائد المسيرة المروفع على الأكتاف، صليباً كبيراً بيد وسيفاً بيده الأخرى.

كرة الثلج

يمثّل هجوم “جنود الرب” على الساهرين في بيروت، نقطة مفصلية في الاعتداء على مجتمع الميم عين في لبنان، بعد موجة خطاب كراهية تصاعدت على امتداد سنوات، وبلغت ذروتها خلال الأسابيع الماضية.

في عام 2018، اعتقل منظم “أسبوع الفخر” في بيروت، هادي دميان، وأجبر على توقيع تعهد لإلغاء الاحتفالات المرتبطة بالمناسبة.

وفي عام 2019، بدأ متطرفون مسيحيون حملة ممنهجة ضد فرقة “مشروع ليلى” الموسيقية، لاستخدامها استعارات تاريخية وثقافية في أغاني ألبوم “ابن الليل”، عدّت هجوماً على الدين المسيحي.

ومن المعروف أن مغني الفرقة الرئيسي حامد سنو مثلي، ما حوّل الحملة على الفرقة، إلى حملة كراهية ضد المثليين.

اضطر القيمون على مهرجانات جبيل حينها إلى إلغاء حفلة “مشروع ليلى” خوفاً من “إراقة الدماء”.

الملفت حينها، كان إعلان الآلاف عن دعمهم للفرقة في حفل بديل أقيم بدون مشاركة أفرادها. أما الفرقة، فقد أعلنت حل نفسها بعد عامين من الحادثة، مع هجرة سنو خارج البلاد.

دنيانا
التعليق على الصورة،

تحتضن الساحة اللبنانية أسماء بارزة في فن ملكات الجر أو “دراغ كوين”

ويمكن القول إن تلك الحملات همدت بعض الشيء، مع تركيز اللبنانيين على مآسيهم الاقتصادية والسياسية، والانهيار المالي والمعيشي التام.

إلا أنها اشتدت في الأسابيع الأخيرة، إثر خطاب ألقاه أمين عام “حزب الله” حسن نصر الله، هاجم فيه المثليين قائلاً: “في حالة اللواط من المرة الأولى وحتى لو كان عازباً، يُقتل”.

وتتالت بعد نصر الله الحملات من قبل مسؤولين حكوميين، تقدمهم وزير الثقافة، محمد وسام المرتضى، الذي طالب بمنع عرض فيلم “باربي” في دور سينما البلاد، لأنه “يروّج للمثلية والعبور الجنسي”.

واستمرت الحملة الممنهجة مع تقديم “مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير” اقتراحاً لمشروع قانون بعنوان “مناهضة الشذوذ الجنسي في لبنان”، طالب بعرضه على البرلمان. كما أعد فريق قانوني آخر مشروع قانون يهدف إلى “معاقبة من يروج للشذوذ”، بتكليف من النائب أشرف ريفي.

وكانت منطقة الطريق الجديدة في بيروت، شهدت في وقت سابق من هذا الشهر، اعتصاماً مناهضاً للمثليين دعت له “جمعية الدعاة الثقافية الاجتماعية” الإسلامية، شارك فيه العشرات، حملوا شعارات “ضد المثلية الجنسية”.

وأتت آخر التوجيهات الوزارية ضد مجتمع الميم عين، من وزير التربية عباس الحلبي، الذي أمر بسحب لعبة “الأفعى والسلم” من المناهج الصيفية للمدارس الرسمية، لتضمنها علم قوس قزح.

وقال الحلبي في مقابلة مع صحيفة “النهار” المحلية، إنه اتخذ هذا القرار “تفادياً لأي إرباك”، بعد اعتراض بعض المسؤولين وربط ألوان قوس القزح بالمثلية الجنسية.

هادي دميان

صدر الصورة، AFP

التعليق على الصورة،

خربت مجموعة “جنود الرب” لوحات إعلانية تحمل ألوان قوس قزح العام الماضي

تحريض على العنف

تقول سحر مندور الباحثة المختصة بالشأن اللبناني في “منظمة العفو الدولية”، في اتصال مع بي بي سي نيوز عربي، إن الاعتداء على عرض “دراغ كوين” ليل الأربعاء، هو “نتيجة طبيعية لشهر ونصف من الشحن غير المبرر وغير المفهوم”.

كذلك، قالت رشا يونس، الباحثة في حقوق الميم عين لدى “منظمة هيومن رايتس ووتش” لفرانس برس إن الهجوم يؤشر إلى “منعطف خطير”.

وتصف مندور ما يحدث بأنه تجاوز مسألة التعبير عن آراء محافظة، ليصل إلى مرحلة الحضّ الموصوف والمباشر على العنف.

وتقول: “عندما توصف جماعات لم تقدم على إيذاء أحد بالشذوذ والانحلال الأخلاقي وتُتهم بتفكيك الأسرة والإساءة إلى الديانات السماوية، وعند تقديم قانون في البرلمان لتشديد العقوبات على المثليين جنسياً، وعندما يحلّل قائد سياسي كبير دمهم، هذا كله حض على العنف”.

وترى أن كلّ ما سبق، “تمهيد وحث للجماعات المتطرفة على الاعتداء”، وذلك ما تمثّل بما أقدم عليه عناصر من “جنود الرب”.

وتضيف أن عناصر قوى الأمن الذين حضروا إلى مكان الاعتداء، لم يوقفوا المعتدين، بل فاوضوهم على عدم اقتحامه. وتلحظ أن “أفراد مجتمع الميم عين لا يجرؤون حتى على تقديم شكاوى قضائية”.

ورغم أن لبنان يُعد أكثر تساهلاً مع المثليين مقارنة مع دول عربية أخرى، إلا أنه جرى إلغاء نشاطات عدّة لمجتمع الميم خلال السنوات الماضية.

وتواجه هذه الفئة تمييزاً ورفضاً اجتماعياً ما يجعل ظروف معيشة أفرادها وحصولهم على حقوقهم الأساسية كالرعاية الصحية والوظائف أمراً صعباً، في بلد تُعاقَب فيه العلاقات المثلية بالسجن ويضطر كثر إلى إخفاء هويتهم الجنسية.

وتقدم عدد من النواب الشهر الماضي بمشروع قانون الى مجلس النواب، لإلغاء مادة قانونية تجرّم العلاقات المثلية، ما أثار انتقادات لاذعة طالت عدداً منهم.

وتوضح سحر مندور أن بعض الأشخاص “الذين يمكن لمظهرهم الخارجي أن يفضح هويتهم الجنسية أصبحوا خائفين (منذ بداية الحملة الأخيرة) ويتفادون التواجد في الأماكن العامة”.

وتؤكد أن عشرات الأشخاص من مجتمع الميم عين تعرضوا لتهديدات وضغوطات واضطروا لمغادرة البلاد أو تغيير مكان سكنهم أو تشاجروا مع عائلاتهم منذ بدء الحملة وتصف الأمر بأنه “تطور مأساوي”.



Source link

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *