#ثقافة وفنون

ياسمين العطار
اليوم

لم يتخيل المعماريون الأوائل، عندما بدؤوا إنشاء المباني في الدولة الإسلامية، أن تصاميمهم الهندسية الجريئة والمتطورة، وزخارفهم الفنية الراقية، ستكون مصدر إلهام لجيل جديد من المصممين والمصممات. ومن بين هؤلاء، تبرز الفنانة العمانية أنوار الحسني، التي أبدعت في فن الزخرفة الإسلامية، ونالت جوائز عدة في معارض محلية، وشاركت في فعاليات فنية عالمية. وانطلاقاً من شعورها بالمسؤولية المجتمعية، قدمت أنوار الحسني مبادرة متميزة، تحت عنوان «برنامج اجتياز الزخرفة الإسلامية»، بالتعاون مع الجمعية العمانية للفنون، بهدف دعم وتشجيع الفنانات الموهوبات في السلطنة.. وكان لمجلة «زهرة الخليج» لقاء مع الفنانة العمانية؛ لاستكشاف قصتها الملهمة، ومسيرتها في عالم الزخرفة الإسلامية.. إليكم نص الحوار:

• 

حدثينا عن بدايتكِ الفنية!

اكتشفت شغفي بالرسم منذ الطفولة، ولكن بدأت رحلتي الفنية الرسمية مع فن الزخرفة الإسلامية عام 2014، وقد تتلمذت في فن الزخرفة الإسلامية على يد الأستاذ العراقي محمد العبيدي، حيث تلقيت تعليماً مكثفاً في هذا المجال. بعد ذلك انطلقت في مشاركاتي عام 2015، من خلال «برنامج إعداد خطاط»، الذي قدمته الجمعية العمانية للفنون التشكيلية، ولمدة عام كامل كنت الطالبة الوحيدة طوال فترة «البرنامج».

تفرغ.. وتعلم

كيف أثرت هذه الفترة في تطوير مهاراتك بفن الزخرفة الإسلامية؟

رغم أنني بدأت عام 2014، فإن مسيرة تطوير مهاراتي بشكل جادٍّ بدأت عام 2018. في ذلك الوقت، قررت التفرغ تماماً لتعلم وتعليم فن الزخرفة الإسلامية، والمشاركة في المعارض الدولية. بعدها، استقلت من وظيفتي الإدارية في إحدى المؤسسات، وأيضاً أخليت طرفي من الكلية التي كنت أدرس بها تخصص إدارة الأعمال، بقسم المحاسبة، وهذه الفترة سمحت لي بتطوير مهاراتي بشكل كبير واحترافي.

تتلمذتِ على أيادٍ عربية مبدعة.. ما الإنجازات التي حققتِها خلال هذه الفترة؟

تلقيت تعليمي في فن الخط العربي من الأستاذ أنور الحلواني، الذي أجازني في الخط الديواني عام 2012. والآن، أتدرب مع الأستاذ عبد المجيد الأهدل في صفوف خط النسخ. كما تتلمذت في فن الزخرفة الإسلامية على يد الأستاذ العراقي محمد العبيدي، والأستاذة التركية هالة نور بقال. وقد ساهم التعلم المستمر في تطوير مهاراتي، ما مكنني من تدريس ونشر هذا الفن بين محبيه في مختلف أنحاء العالم.

للزخرفة حيز كبير في أعمالكِ.. حدثينا عن تأثيرها في تشكيل أعمالك الفنية!

 للزخرفة مكانة مهمة في أعمالي، حيث يمثل هذا الأسلوب الفني جزءاً أساسياً من تصاميمي، ويتجلى تأثير الزخرفة في التفاصيل الدقيقة، والزخارف الفنية، التي تعكس جمالها وتعمقها في روح العمل.

ما الفلسفة التي تعتمدينها في أعمالكِ الفنية؟

أدرك أن تقدير الفن يأتي من خلال فهمه بعمق، وتقدير قيمته الفنية والتاريخية؛ لذلك أعتمد فلسفة تجمع بين الفهم العميق لتراث الزخرفة الإسلامية، والحضارة التي تنتمي إليها، وبين الممارسة المستمرة والتطوير المستمر لمهاراتي. وتعد الزخرفة الإسلامية من التراث الإسلامي والحضاري؛ لهذا يجب أن يكون الإلمام بالمعرفة حاضراً، وكذلك الاطلاع على عناصر الزخرفة، ومسمياتها، وطرق تنفيذها.. فهماً، واستيعاباً، وممارسةً.

هل هناك تحديات واجهتكِ، خلال مسيرتكِ الفنية؟

هناك العديد من التحديات التي واجهتني في البداية، وأهمها عدم توفر الأدوات اللازمة بسهولة، مثل: الفُرَش، والألوان؛ ما دفعني إلى شرائها من خارج البلاد بأسعار مرتفعة، وتكاليف شحن باهظة. بعد ذلك تمكنت من تحويل أحد المتاجر الفنية في الدولة إلى مكان تتوفر فيه جميع الأدوات اللازمة للزخرفة الإسلامية، وبأجود أنواعها. ومن التحديات، أيضاً، إقناع الناس بأهمية دراسة الزخرفة، وتجاوز افتراض أنها تحتاج إلى رغبة قوية، ودقة متناهية.

«برنامج اجتياز الزخرفة الإسلامية» مبادرتك التطوعية؛ لتدريب المواهب العمانية الشابة.. حدثينا عن ذلك!

 الناس يرونها مبادرة تطوعية، لكنني أراها «زكاة العلم». لديَّ يقين أنني يجب أن أشارك الآخرين معرفتي ومهاراتي؛ لذلك قدمت برنامجاً تدريبياً بعنوان «برنامج اجتياز الزخرفة الإسلامية»، بالتعاون مع الجمعية العمانية للفنون؛ لتعليم وإلهام المزخرفات الشابات في السلطنة، وتمكينهن من تطوير مهاراتهن الفنية، عن طريق إلزامهن بعدد من المواضيع، التي يجب عليهن اجتيازها، كتقديم بحث، أو دراسة معينة تتعلق بالزخرفة، وأيضاً اجتياز تحديات اختبار القدرات، والتدرب على رسم المفردات بشكل صحيح، وتنفيذ لوحات مختارة طوال فترة التدريب، التي تستمر لمدة عام، وتتخللها زيارة تعليمية وفنية إلى دول تهتم بالزخرفة.

• 

رصيد فني

حدثينا عن أعمالكِ الفنية في فن الزخرفة!

قدمت الكثير من الأعمال الزخرفية، وتنقسم أعمالي إلى قسمين: الأول: أعمال خاصة، والثاني: أعمال يتم تنفيذها مع الطلاب. الأعمال الخاصة، غالباً، تكون لوحات للخطاطين، وأقوم بعد ذلك بتنفيذ الزخرفة عليها؛ لإعادتها إليهم بعد الانتهاء منها، أو أعمال خاصة بمعارض محلية ودولية، والقسم الآخر يكون ناتجاً عن دورات قدمتها للطلبة، وفي نهاية كل عام أجد الكثير من اللوحات في رصيدي الفني.

ما أبرز المهارات الإبداعية، التي يجب أن يستند الفنان إليها، خاصة في فن الزخرفة؟

يجب أن تكون لديه إرادة قوية، وصبر، وتحمل، وتواضع، ثم تأتي الأمور الفنية الأخرى.

هل مِن رسالة معينة، تحملها أعمالكِ الفنية؟

تهدف أعمالي إلى الحفاظ على تراثنا الإسلامي، والثقافي، والفني، من الاندثار، وإلى تعزيز فهم وتقدير هذا التراث بين الجماهير. وأسعى، أيضاً، إلى نقل جمالية الزخرفة الإسلامية، وتأثيرها العميق، إلى العالم بأسره.

بماذا تتميز أعمالكِ الفنية؟

أكثر ما تتميز به أعمالي استخدامي الذهب الطبيعي بعيارات مختلفة، إلى جانب الخامات الطبيعية الأخرى، وكذلك الدقة المتناهية، كما أنني أميل إلى استخدام الألوان، التي أقوم بإعادة تصنيعها بنفسي «ألوان بُردة»، وهي ألوان مائية، من نوعَيْ: «جواش»، و«بوستر»، حيث أقوم بدمج الألوان، التي أرغب في دمجها، وبدرجات مميزة. وأحب، أيضاً، الزخرفة على الورق «المقهر» بشكل يدوي، واستخدام الفرش الطبيعية المصنوعة يدوياً.

• 

لكل نجاح هناك مَنْ يقف وراءه، فمن وراء نجاحات أنوار الحسني الفنية؟

يقف وراء هذا النجاح أفراد أسرتي، فهم الذين زرعوا بداخلي الثقة، وحب الاستمرار، وأيضاً أساتذتي الكرام، وطلابي الأوفياء، الذين منحوني فرصة نشر هذا الفن.

ماذا تقولين للمرأة العربية المبدعة؟

أريد أن أوجه رسالة إلى كل امرأة عربية مبدعة، هي: أنتِ قوية، وقادرة على تحقيق أحلامكِ، وتحويلها إلى واقع. استمري في العمل بجد، واستمتعي بما تقومين به، ولا تنسي، أبداً، أهمية مشاركة الآخرين مواهبكِ وإلهامكِ.