TodayPic

مجلة اخبارية

منوعات

زهرة الخليج – ريم الغيـث: عدســتي تبحـث عــن الجمـال الخفــي


#ثقافة وفنون

تعشق المصورة الإماراتية، ريم سعيد الغيث، بساطة العيش، وتفاصيل الأماكن القديمة، التي تشعل دوماً شغفها بتوثيق حركة الحياة في أبسط حالاتها، واحتفاء عدستها بالعلاقات والمشاعر الإنسانية؛ إيماناً منها بمقولة والدها: «إن الصورة جزء من تاريخنا للأجيال القادمة».. في حوارنا معها، تحكي ريم عن إلهامها، وتشاركنا ملامح من تجربتها الإبداعية، وتروي قصصاً بلغة بصرية تجسد هذا الحنين وذاك الشغف؛ لحفظ الذكريات:

  • مسجد عمرو بن العاص من الداخل في العاصمة المصرية القاهرة.
    مسجد عمرو بن العاص من الداخل في العاصمة المصرية القاهرة

– هل تذكرين أول كاميرا امتلكتها، وأول صورة التقطتها؟

أول كاميرا امتلكتها كانت هدية من والدي، وأعتقد أنها كانت من طراز «نيكون»، وهذه اللحظة شجعتني أكثر على خوض رحلة استكشاف عالم التصوير. أما عن أول صورة، فيصعب عليَّ أن أتذكرها ومتى التقطتها بعدستي بالضبط، لأنني دائماً كنت مشغولة بالتقاط الصور، لكنها بالتأكيد كانت تعبر عن لحظة جميلة، أو ذكرى خاصة.

نمط خاص

– ما مدى تأثير والدك في حياتك كمصورة؟

اعتاد والدي التقاط تفاصيل حياتنا اليومية وتوثيقها بعدسته، وتعليمنا قيمة الصورة وأهميتها في حياتنا؛ لأنها على حد تعبيره: «يوماً ما ستكون هذه الصور جزءاً من تاريخنا للأجيال القادمة». كان والدي يخاف جداً على الصور التي يلتقطها، ويظهر أفلامها بنفسه، فكان يحرص على حفظها في خزنة صغيرة، بعد أن يكتب بخط يده خلف كل صورة شرحاً مقتضباً، يتضمن وصفاً لمكان وتاريخ التقاط الصورة، كجزء من عملية توثيقه تلك اللحظات، حتى بات لديه اليوم أرشيف مهم من الصور القديمة، التي يشاركها مع أحفاده. في هذه البيئة، نشأت، وتعلمت حب التصوير، وأدركت – منذ صغري – أهمية الصورة، وقيمتها.

  • مكتبة في سوق المباركية بالكويت.
    مكتبة في سوق المباركية بالكويت

– ما نمط التصوير الذي تميلين إليه بشكل خاص؟

في البداية كنت أهتم بتصوير كل ما حولي، ومشاركة تلك الصور مع عائلتي والأصدقاء. بعد سنوات، طورت مهاراتي، واكتشفت طريقي الخاص، إذ وجدتني أميل إلى أسلوب التصوير القصصي، وهو نمط من أنماط التصوير الوثائقي، ثم زاد لديَّ شغف تصوير الشوارع، إذ وجدت فيها مكاناً مثالياً لتوثيق تفاصيل حياة الناس ومجتمعاتهم المختلفة، سواء داخل المدن، أو المناطق الريفية، وصرت أشارك هذه الصور في معارض مختلفة، بالتعاون مع مؤسسات فنية محلية، مثل: هيئة الثقافة والفنون في دبي وأبوظبي، وهيئة الشارقة للفنون، والسركال أفنيو.

– «جواهر مخفية» يعرّف الناس من خلال عدستك بقرى إماراتية، لم يسمعوا عنها من قبل.. ما الدافع وراء إصدارك هذا الكتاب؟

أعتبر «جواهر مخفية» أهم أعمالي الفوتوغرافية، فهو يجسد شغفي العميق برصد وتوثيق نمط الحياة الإماراتية قديماً، بكل تفاصيلها، فحنيني إلى الحواري والبيوت القديمة واللحظات الجميلة، التي عشتها في طفولتي، دفعني إلى توثيقها بعدستي. من منطقة جميرا، حيث نشأت، انطلقت رحلتي، فبدأت من بيت جدي، ثم اتسعت دائرة اهتمامي وفضولي؛ لاستكشاف مناطق مماثلة في جميع إمارات الدولة. هذا الشغف بالاستكشاف، وحب التجوال خارج المدن، دفعاني إلى اكتشاف العديد من القرى، التي لا يعرفها عدد كبير من الإماراتيين أنفسهم، حتى إنني كلما زرت قرية، ونشرت صورها، كان الجميع يتساءلون عن مكان وجودها، غير مدركين أنني أتنقل بين تلك الجواهر الخفية في أرجاء الإمارات. مع الوقت، تبلورت فكرة الكتاب، الذي أردت من خلاله أن يعرف الجميع، مواطنين ومقيمين، التقاليد وبساطة العيش في القرى الإماراتية، ومنازلها ذات الأبواب الحديدية الملونة، وأن أنقل إليهم بعدستي قصص وتفاصيل حياة السكان الذين يجسدون القيم الإماراتية، وبساطة العيش، التي بدأت تتلاشى تدريجياً في الضواحي، واختفت تماماً في المدن الكبرى؛ لتفسح المجال أمام تطور الحياة فيها. أردت أن أشارك تلك الصور مع العالم، وأن أظهر للأجيال القادمة ماضي وتراث بلادي، بشكل مختلف ومتميز.

  • رحلة بحرية في جزيرة بوكيت التايلندية.
    رحلة بحرية في جزيرة بوكيت التايلندية

– ما أكثر اللحظات استمتاعاً وتأثراً أثناء تصويرك تلك الحياة البسيطة، وما المشهد الذي حَفَر بقلبك ذكرى لا تُنسى؟

في تلك القرى الإماراتية، رأيت الناس يتبادلون الزيارات، وأطباق الطعام، وشاهدت الأطفال يلعبون حفاةً في الباحات والسكيك فرحين. دخلت بيوت أشخاص لا أعرفهم، فغمروني بكرمهم ومحبتهم، واطلعت على بساطة حياتهم، حيث يجتمع الناس في بيئة خضراء مدهشة، تمزج الطبيعة والثقافة الإماراتية الأصيلة، ما ذكرني بطفولتي، وأعادني إلى تلك اللحظات التي أفتقدها ورأيتها تتجسد أمامي. المشهد الذي حفر في قلبي، ولن يغيب عن ذاكرتي، هو لقائي الرائع مع الوالدة شيخة الكندي في قرية البثنة، إذ أتذكر أنه بعد يوم مليء بالاستكشافات بين قرى إمارة الفجيرة، كانت آخرة محطاتي هذه القرية الجميلة. وعندما هممت أن أغادر بسيارتي، اقتربت الوالدة شيخة من نافذة السيارة، متسائلة عن سبب وجودي وتصويري المكان. فقد اعتقدت الوالدة أنني موظفة في البلدية، وجئت لألتقط بعض الصور في إطار الخطة المستقبلية للحي. وبعد أن شرحت لها الهدف الحقيقي لزيارتي، أصرت على استضافتي في منزلها، وتقديم فنجان قهوة إماراتية إليَّ. هذا اللقاء تجسدت فيه كل قيم الضيافة والبساطة التي تشتهر بها القرى الإماراتية، ولن أنساه أبداً. منذ ذلك الوقت أزور الوالدة شيخة، وأحاول قدر الإمكان زيارة بقية القرى، التي زرتها ووثقت جمال تفاصيلها بعدستي.

قصص السفر

– كمصورة فوتوغرافية.. ما أهمية السفر بالنسبة إليك؟

يمثل السفر فرصة كبيرة لأي مصور فوتوغرافي، لاستكشاف مجتمعات وثقافات أخرى، والبحث عن أفكار جديدة، وإثراء رؤيته الفنية، إذ إنه جزء أساسي من تجربة المصور. بالنسبة لي كل مكان أزوره يحمل قصصاً فريدة، تغذي عملية التوثيق لديَّ. والسفر يتيح لي التفاعل مع الناس من خلال العدسة، والتعامل مع تحديات وظروف مختلفة، تساعدني على تطوير وتحسين مهاراتي الفنية والتقنية. اليوم مع تطور التكنولوجيا، التي زودت الهواتف المحمولة بكاميرات وعدسات عالية الجودة، صار من السهل التقاط اللحظات الجميلة، ومشاركتها مع الآخرين عبر منصات التواصل الاجتماعي.

– هل يحتاج الفرد إلى كاميرا محترفة بمعايير تقنية عالية؛ لالتقاط صور مذهلة؟

الإجابة تعتمد على هدف المصور، ومستوى اهتمامه بالتصوير. الكاميرا، ببساطة، آلة تصوير تمنحك خيارات وإمكانات تقنية متقدمة؛ للتعبير عن إبداعك؛ فإذا كنت تسعين للتصوير بشكل احترافي، وإنتاج صور عالية الجودة للطباعة، أو العروض الفنية، فستحتاجين إلى كاميرا بمواصفات تقنية عالية، وعدسات دقيقة، أما إذا كان هدفك التمتع بتصوير اللحظات الجميلة، ومشاركتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فتكون الكاميرا البسيطة، وحتى هاتفك الذكي، كافيين للقيام بذلك.

– في ظل التقدم التقني، كيف تجمعين بين الابتكار والحفاظ على جمالية التصوير التقليدي، وأي كاميرا تفضلين؟

أتاح التطور التكنولوجي كاميرات أصغر حجماً، وأكثر بساطة في الاستخدام، وخفة في الوزن، لكنها متطورة في آلية إخراج الصورة؛ ما يؤثر إيجاباً في النتاج الفني المرئي، ويدعم الابتكار لدى المصور. لكن، رغم هذا التقدم التكنولوجي، فإن الجمالية المتمثلة في التصوير التقليدي لاتزال تلعب دوراً حيوياً في صناعة الصور. بالنسبة لي، إن استخدام كاميرات الفيلم التقليدية، التي تعتمد على عمليات ميكانيكية بسيطة، تشكل تحدياً مثيراً ومحفزاً على الابتكار. هذه الكاميرات تجعلني أركز أكثر على تفاصيل الصورة، وعلى تقنيات التصوير الأساسية، ما يساعدني في الحفاظ على الجمالية التقليدية في أعمالي. في النهاية، يبقى موضوع الصورة، وكيفية تقديمها إلى الجمهور، هما الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لي، سواء استخدمت كاميرا حديثة أو تقليدية.

  • في بلدة
    في بلدة “تاورمينا” الايطالية

– هل هناك معيار لاختيار موضوع أو موقع التصوير؟

المعيار الفني، الذي يحدد اختياري للمشهد، يتعلق بقدرته على سرد قصة مرئية تلامس قلوب المشاهدين. يجب أن تكون اللحظة البصرية قوية بما يكفي لإلهام المتفرج، وجعله يستمر في استكمال القصة بخياله. فهذا هو الجوهر الذي يجعل الصورة لديَّ تستحق التأمل. والأهم أن الموقع الذي يثير اهتمامي يجب أن يتوافق مع معتقداتي الخاصة، لهذا أجد نفسي دائماً منجذبة إلى القرى والمدن الصغيرة في ضواحي الدولة، حيث الأحياء الصغيرة الممتدة بين الوديان والجبال، والمحاطة بالنخيل والمزارع الخضراء. هناك معيار آخر يلعب دوره في اختيار الأماكن أو المشاهد، وغالباً يكون مرتبطاً بتعاوني مع المؤسسات الفنية، إذ تكون لها توجيهات خاصة في هذا الإطار. 

– ما العناصر التي تميز صورك عن المصورين الآخرين؟

لكل مصور نظرة خاصة به تميزه عن الآخر، ومع الممارسة يكتشف المصور نهجه وأسلوبه الخاص. مثلاً، في بداياتي، كنت أهتم بتصوير المناظر الطبيعية، ومع الوقت ومروري بتجارب عدة، صرت أهتم بتصوير حياة الناس داخل الإمارات وخارجها. أنا بطبيعتي دقيقة الملاحظة، وأنجذب بشدة إلى التفاصيل من حولي، وهذا يساعدني على رؤية الأشياء بطريقة مختلفة، واكتشاف الجمال الخفي في الأماكن والوجوه والأشياء اليومية، التي ربما لا يلاحظها أحد غيري، وهذا ما يضفي قيمة على الصور التي ألتقطها، وأشاركها مع الناس، إذ تتيح لهم التفكير بشكل جديد، واستكشاف العالم من زوايا مختلفة، ما يمنحهم تجربة مشاهدة أكثر ثراءً.

– ما نصيحتك للمهتمين بالتصوير الفوتوغرافي؟

المثابرة، والاستمرارية، هما أساس نجاح أي عمل، سواء كان مهنياً أو هواية، يضاف إليهما تطوير الذات، والبحث عما يميزهم، ويناسب قناعتهم ونظرتهم الشخصية، لأنه من خلال ذلك يمكنهم التميز في أعمالهم الفنية.



Source link

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *