TodayPic

مجلة اخبارية

الاقتصاد

معركة الجنيه العنيفة… هكذا سيتأثّر الكويتيون والمصريون ربحاً وخسارة


– قروض الصندوق الكويتي تُمنح بالدينار وتُستردّ بالدينار
– مليارات الكويت الـ 4 في مصر أودعت بالدولار وتُستردّ بالمثل
– أعضاء مبادرة السيارات لن يلمسوا فارقاً فوديعتهم بالدولار
– المودعون بالجنيه خسروا 41 في المئة من رأسمالهم منذ بداية العام بافتراض فائدة 22 في المئة
– مستثمرو العقارات بالتقسيط أكبر الرابحين من تدهور وزن الجنيه مقابل الدولار
– آباء الطلبة الكويتيين ومصريو الخارج لن يربحوا فالتضخم سيلتهم هوامش الصرف
– استثمارات «هيئة الاستثمار» طويلة الأجل وخسائرها من سعر الصرف غير محقّقة

يصح القول إن الجنيه المصري يمر منذ فترة بمرحلة تراجعات عنيفة، وصل معها أمس سعر صرف الدولار في السوق السوداء لنحو 52 جنيهاً، بينما لا يزال السعر الرسمي يلامس 30.9، أي بفارق يقارب 68 في المئة، فيما بلغ صرف الدينار بالسوق الموازية نحو 160 جنيهاً، ما يعني أن الألف تباع بـ6.2 دينار، وذلك حسب وسائل إعلامية.
بالطبع، هذا الحديث ليس جديداً لكنه يكتسي وجاهة أكبر، فبمجرد بلوغ الجنيه أدنى قيمة في تاريخه مقابل الدولار، يتبادر إلى ذهن الكويتيين المودعين والمستثمرين في مصر وأيضاً المحتملين مجدداً السؤال البدهي، ما تأثير بلوغ هذا القاع التاريخي عليهم؟ وطبيعي أيضاً أن يوجّه السؤال نفسه للمصريين بالخارج وبينهم المقيمون بالكويت.
مع تصاعد الضغوطات التي يواجهها الاقتصاد المصري، بما في ذلك مخاطر التوترات الجيوسياسية الناجمة عن الحرب في غزة، ارتفعت حدة المضاربات على الدولار مقابل الجنيه بالسوق السوداء، مدفوعة بشح معروض العملة الخضراء، وأثناء ذلك سجل الجنيه أمس أدنى قيمة في تاريخه، رغم أن مؤسسات دولية تعتقد بأن الجنيه مقوّم حالياً في السوق الموازية بأدنى من سعره العادل، الذي لا يتجاوز 40 جنيهاً للدولار، وأن حالة عدم اليقين الراهنة التي يواجهها الاقتصاد المصري والعالمي تدفع إلى تقييمات مُبالغ بها للدولار.
وبغض النظر عن التحليلات والتكهنات النظرية هناك سؤال علمي يسيطر على أصحاب الأموال والأصول في مصر، يتعلق بمسارهم الآمن حالياً وبالمستقبل القريب، ومدى تأثير المضاربات العنيفة التي تجري على الجنيه عليهم؟
وإلى ذلك، يتعين توزيع الإجابة على نقاط تحليلية عدة قد يتكرر سردها بمتغيرات إضافية مقارنة بالسابق، يتعلق بعضها بالمال الخاص وآخر بالحكومي، ويرتبط جزء منها باستثمارات سائلة وشبه سائلة وآخر بأصول واستثمارات تحت التقييم، مع الأخذ بالاعتبار أن هناك استثماراً طويل الأجل وآخر مضاربي ولكل منهم تحدياته.
الجنيه «الكاش»
تعد هذه الشريحة الأكثر تضرّراً من تراجع سعر صرف الجنيه مقابل الدولار إلى هذه المستويات التاريخية، فمع رحلة «الريجيم القاسية» التي يمر بها الجنيه منذ بداية 2023 كما يحلو للبعض تسميتها، تضاعفت خسائر أصحاب الجنيه «الكاش»، سواء المحتفظون به في بيوتهم أو في ودائع بنحو 63 في المئة، بعد انخفاض سعر الصرف مقابل الدولار إلى نحو 52، مقابل نحو 32 سعراً متداولاً في يناير الماضي.
ولذلك، يتعرض أصحاب الأموال السائلة إلى خسائر فادحة في قيمهم الرأسمالية. وبافتراض حصولهم على فائدة إيداعية 22 في المئة، وهو أعلى سعر وديعة طُرحت ضمن مساعي مكافحة «الدولرة» بأدوات ادخارية مشجعة على الإيداع، يكونون قد خسروا نحو 41 في المئة من رأسمالهم.
المودعون بالدولار
يمكن القول إن أصحاب الودائع الدولارية يشعرون بالزهو باعتبارهم أبرز الرابحين من صعود سعر صرف الدولار لما يحققونه من انتعاشة استثمارية عالية مدفوعة باستمرار هبوط الجنيه، فكلما تنخفض قيمة الأموال المقوّمة بالعملة المحلية ترتفع بالمقابل قيمة أموالهم بالدولار بالمعدل نفسه، ومع تبويب الفائدة التي يحصلون عليها بغض النظر عن تدني تسعيرها على العملة المصرية يسجلون فائدة مزدوجة، علماً أن العائد الإيجابي على أصحاب الودائع الدولارية يشمل الأموال التي شارفت على الانتهاء والتي لا تزال تحت الإيداع لفترات أطول.
مستثمرو العقار
هذه الفئة، سواء المصريون العاملون في الخارج أو الكويتيون، تصنّف على أنها من الرابحين، باعتبار أن لدى أعضائها التزامات ثابتة في شكل أقساط تمويلية أو دفعات سداد لعقارات أو أراض تم الاستثمار فيها، وبالطبع هؤلاء يستفيدون من تراجع قيمة الجنيه حيث يسجلون في المقابل انخفاضاً كبيراً في قيم مطلوباتهم باعتبار أنهم يدفعون أقساطهم من الخارج ومن ثم سيجنون مكاسب إضافية من توسع السوق السوداء.
علاوة على ذلك، ستستفيد هذه الفئة من ارتفاع القيمة الشرائية للأصول التي تستثمر فيها، وذلك بافتراض سيناريو تنفيذ مشاريعهم حسب الجدول الزمني المتعاقد عليه، وحتى لو تأخر المشروع سنة إضافية فبمجرد تسليمه يعد ربحاً مضاعفاً للمستثمرين فيه منذ فترة.
وما سبق من استفادة ينسحب أيضاً على مستثمري العقارات المشتراة منذ فترة لجهة ارتفاع قيمها الشرائية وليس انخفاض القيمة الرأسمالية، فكلما زاد التضخم ارتفعت في المقابل قيمة العقار بالمعدل نفسه تقريباً، وهنا يتحقق أقله التعادل دون خسارة أو أرباح إضافية.
البنوك والشركات
لا يمكن تجاهل تأثير تراجع قيمة الجنيه على نتائج الشركات والبنوك الكويتية المستثمرة في مصر، ولتخفيف الأثر الحاد من تدهور سعر العملة تلجأ هذه الكيانات إلى مسارين، الأول يتعلق بالعمل على مساواة الأصول بالخصوم المسجلة بالعملة نفسها، وبالتالي عدم الانكشاف على مراكز مفتوحة بالعملة الأجنبية يضعف موجوداتها هنا أو هناك، ولذلك إذا هبط الدولار أو صعد في مصر فلن يتأثر الكيان بمعدل مقلق.
ولزيادة طبقات حماية صافي الأرباح التي تحتفظ بها الشركات الأجنبية في مصر إجبارياً من مخاطر تقلبات سعر الصرف يلجأ صانعو سياستها المالية إلى تخفيف الضغوط المحاسبية المتأتية على الجنيه بتوظيف هذه السيولة من خلال أكثر من سيناريو أشهرها رفع منسوب الأصول العقارية، إلى جانب تدعيم القاعدة الرأسمالية للبنك، وفي الحالتين تقل مخاطر الجيوب السلبية للعملة التي ترزح تحت ضغط التراجع.
«هيئة الاستثمار»
الهيئة العامة للاستثمار من المؤسسات الاستثمارية طويلة الأجل، بمعنى أن استثماراتها ليست مضاربية، ولذلك ووفقاً لنموذج أعمالها فإن أي خسائر تحققها بسبب تراجع سعر صرف العملة تُسجَّل في دفاترها على أنها غير محققة، أخذاً بالاعتبار مكاسب الموازنات الاقتصادية والمالية المترتبة على وجودها بهذه الأسواق على المدى الطويل.
«الصندوق» والوديعتان
ربما من أكثر النقاشات التي تفتح مع كل انخفاض جديد بسعر صرف الجنيه تلك التي تتعلق بمستقبل قروض الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية لمصر، وكذلك مستقبل وديعتي الكويت في البنك المركزي المصري اللتين تقاربان الـ4 مليارات دولار، والإجابة المكررة والمؤكدة في هذا الخصوص أن «الصندوق» يعتبر الدينار الكويتي عملة الإقراض والسداد، حيث يقوم بالنص في اتفاقيات قروضه على أن القرض بالدينار، كما تنص هذه الاتفاقيات على إلزام الدول المقترضة بسداد القرض بالدينار أيضاً. وعليه، فإن قروض الصندوق محصّنة من الانخفاض في عملة الدولة المقترضة، حيث يتحمل المقترض مخاطر سعر الصرف وليس الصندوق الكويتي.
كما أن وديعتي الكويت في مصر بعيدتان عن أي تأثر لانخفاض سعر صرف الجنيه، باعتبار أنهما مُنحتا بالدولار وستُستردان أيضاً بالدولار.
الطلبة والأسر
مع اتساع فجوة سعر الصرف بين الدينار والجنيه إلى المستويات الحالية، بلغ التضخم في مصر معدلات مؤثرة جداً على المستهلك، ونتيجة حتمية لذلك ورغم ارتفاع قيمة الدينار مقابل الجنيه للمستويات الحالية لن يجني المصريون بالخارج وأولياء أمور الطلبة الكويتيين في مصر أي هوامش ربحية من تدهور سعر صرف الجنيه مقابل الدينار.
فرغم ارتفاع عدد أوراق العملة المقابلة للدينار، إلا القيمة الشرائية لهذا العدد انخفضت في السوق المحلي، ما يجعل تحويلات الأُسر المستدامة للطلبة ثابتة عند معدلاتها التقليدية وحسب الحاجة، فكلما ارتفعت قيمة سعر صرف العملة المقابلة الجنيه، قفز غلاء الأسعار في مصر إلى معدلات ستلتهم فارق سعر الصرف الذي يسجله أرباب الأسر والطلاب، وحتى الذين يسعون للعلاج في مصر.
مبادرة السيارات
من غير المتوقع محاسبياً أن يحقق المصريون المغتربون في الخارج استفادة محاسبية من مبادرة استيراد سيارة بسبب تدهور أسعار الجنيه، حيث معلوم إن قيمة المدفوعات التي سيتم الاحتفاظ بها في وديعة ستكون بالدولار وسيتم استردادها بعد 5 سنوات بالعملة المحلية، وسيكون التحويل بالسعر الرسمي للدولار.
هل يُجدي أصحاب الودائع في مصر كسرها وتهريب أموالهم للخارج؟
محاسبياً، يعد تحويل الأصول السائلة من مصر في الوقت الحالي وتحديداً «الكاش» غير مجدٍ ومن الجيوب السلبية المكلفة استثمارياً. والأفضل استمرار هذه الأموال ما لم تكن هناك أسباب أخرى تتعلق بحاجة أصحابها لاستدعائها.
وبعيداً عن بعده الأخلاقي والقانوني، يشكل سلوك تهريب الأموال للخارج صفقات عدائية لأصحابها، لأنهم سيخسرون معدلات إضافية سيضطرون لتحملها مع تجار العملة مقابل إخراج أموالهم عبر السوق السوداء، حيث وقتها سيسمحون باستغلال حاجتهم لدخول الدورة المعكوسة للأموال باستغنائهم عن هوامش إضافية من رأسمالهم، ما يجعلهم تحت ضغط خسارة أكبر.
ولذلك يعد الحل الأنسب لهذه الشريحة انتظار الأدوات الادخارية الجديدة التي يُعوّل أن طرحها من قبل البنوك الرئيسية كما جرى التقليد، لتخفيف ضغوطات الخسارة الرأسمالية الفادحة ونقل أموالهم من وديعة لأخرى.
كما يمكن كما تفعل الشركات أن يتم توظيف الأموال السائلة في أصول عقارية مضمونة، على أن تكون في مواقع مميزة تضمن سهولة تسييلها مستقبلاً إذا تحسّن الحال، وبالتالي مكافحة نيران التضخم المتأتي من انخفاض قيمة العملة.
رحلة التذبذب منذ تعويم 2016
منذ عام 1939 وحتى الشهر الماضي، أي خلال 84 عاماً، ارتفع سعر صرف الدولار بنسب قياسية، حيث قفز من نحو 0.2 جنيه بـ1939 ليسجل نحو 30.85 جنيه في البنوك، ما يعني تضاعف سعره بأكثر من 154 مرة.
ومنذ العام 2016 شهدت سوق الصرف في مصر تغيرات كبيرة تزامنت مع إعلان الحكومة عن تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي والذي بدأ بتعويم الجنيه المصري مقابل الدولار، وبخلاف السعر الاسترشادي الذي حدده البنك المركزي المصري عند 13 جنيهاً للدولار، ارتفع سعر الصرف ليسجل زيادة 131 في المئة، بعدما قفز الدولار إلى 18 جنيهاً، مقابل 7.8 جنيه قبل قرار التعويم في نوفمبر 2016.
وظلت السوق في حالة هدوء حتى 2022، حيث قرر البنك المركزي المصري في مارس من العام الماضي خفض قيمة الجنيه من مستويات 15.77 جنيه للدولار إلى مستويات 19.7 جنيه بتراجع 25 في المئة، وفي أكتوبر من العام الماضي، تقرر خفض الجنيه من مستويات 19.7 جنيه للدولار إلى مستويات 24.7 جنيه بتراجع 25.4 في المئة.
أما التعويم الأخير فجاء في يناير الماضي، حينما تقرر خفض الجنيه من مستويات 24.7 جنيه للدولار إلى مستويات أقل من 31 جنيهاً بتراجع 30 في المئة، فيما وصل أمس سعر صرف الدولار في السوق السوداء حاجز 52 جنهياً، ومن غير المرئي حتى الآن وجود حواجز أو مصدات قوية من شأنها كبح جماح الهبوط الحر الذي يتعرض له الجنيه منذ فترة.



Source link

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *