TodayPic

مجلة اخبارية

الاقتصاد

الحوكمة محفّز حتمي لإصدار «سهل» الجديد


بتوجيهات من وزير الدولة لشؤون البلدية وزير الدولة لشؤون الاتصالات فهد الشعلة للجلوس مع أصحاب العلاقة من مستخدمين ومتخصصين، دعانا الجهاز المركزي لتكنولوجيا المعلومات ‏ممثلاً بمديره العام الدكتور عمار الحسيني لماراثون (سهل)، حيث حضرت أنا ونخبة من المهتمين بمجال التكنولوجيا جلسة تفاعلية لصياغة أفكار جديدة للإصدار الجديد لمنصة الحكومة الموحدة «سهل».

لقد عملت في الجهاز المركزي لتكنولوجيا المعلومات لست سنوات، وحديثي عن أي من مشاريعه هو حديث متمرّس بالعمل بنظم المعلومات الحكومية، وخاصة التي توجب التكامل بين أكثر من جهة حكومية، وهي سمة غالبية مشاريع الجهاز المركزي، ومن يعمل بالمشاريع الحكومية يعلم أن التكامل بين الإدارات بالجهة الحكومية الواحدة هو مهمة صعبة، فما بالك بالتكامل بين جهات الدولة كافة؟!

ولكن قبل التطرق للمعوقات، يجب إعطاء خلفية عن برنامج سهل. كمشروع يعتبر «سهل» أفضل مخرجات الجهاز المركزي على الإطلاق، حيث إنه من بين كل مشاريع الجهاز قدّم «سهل» أفضل عائد للاستثمار وبأقل تكلفة، مع العلم أن ظروف بنائه كانت استثنائية لأبعد الحدود، والتحديات التي مرّ بها الإخوة والأخوات بالجهاز كانت كثيرة، وأقلها كانت جائحة كورونا. ومع النجاح الباهر للمنصة، وخاصة بمنهجية بنائها التي قامت على الاستثمار بالمتميزين في تطوير البرامج من الشباب الكويتي بالقطاع الخاص والعام، إلا أنها عانت من المرض المزمن بقطاع العمل الحكومي بالكويت، وهو ضعف التكامل بين الجهات الحكومية (معوق غير تقني كأغلب المعوقات للمشاريع التقنية). ولمعرفة حجم المشكلة، ما عليك أخي القارئ إلا أن تتذكر أن غالبية الجهات الحكومية تمتلك بوابة خاصة بها، وغالبية هذه البوابات لا تمتلك ربطاً مع قواعد البيانات الحكومية، ولهذا تتطلب أن ترفع بعض الوثائق الحكومية لتنفيذ الخدمات الخاصة بها، وقد ترفع وثائق من الجهة نفسها، وهذا دليل أن التكامل حتى في الجهة ذاتها مفقود. وعليه عانى «سهل» من عدم الالتزام به كنافذة حكومة وحيدة للتعامل مع المستفيدين (لكل جهة خيل تراهن عليه)، ولم نر تقليلاً للمنصات الحكومية كما هو الحال بالمملكة العربية السعودية، والذي تم تتويجه بإطلاق «المنصة الوطنية الموحدة» التي ستؤدي ليس فقط لتوفير الملايين، بل ستوحّد التركيز على اتجاه واحد، أو بعبارة أخرى: «نظام يتم من خلاله توجيه الكيانات والسيطرة عليها»، وهو ما يعرف بالحوكمة.

وللعلم، فإن هذا الحل المؤسسي ليس سراً، فالحوكمة المؤسسية موجودة برؤية الحكومة، ومنصوص عليها بخطتها، بل إن الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية والتي عملت معها كمستشار من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) نشرت دليلاً وإطاراً للحوكمة، فيما أرسل ديوان المحاسبة استبياناً في شهر أغسطس الفائت لكل الجهات الحكومية يستبين جهوزيتها في ما يخص الالتزام بالحوكمة. ونرجو أن يتم نشر نتائج الاستبيان، لأن عناصر الحوكمة هي الشفافية والعدالة والمساءلة، والتي تلزم ديوان المحاسبة بإعلان نتائج الاستبيان، وذلك لتحسين الأداء بزيادة التنافس، وتعزيز المساءلة، وفتح قنوات الاتصال داخل الجهات الحكومية ومع الجهات الرقابية.

ومن هذا المنطلق، فيجب على النسخة الجديدة من برنامج سهل أن تصاحبها منظومة حوكمة وطنية تعرف قيم وأدوار ومسؤوليات الجهات الحكومية، وتلزمها بالعمل كوحدة واحدة وبأجندة واحدة وحتى منصة واحدة، أو على الأقل قواعد بيانات مرتبطة ببعضها البعض، لوقف طلب الجهات الحكومية بتحميل شهادات صادرة أصلاً من جهات حكومية، وكأن هناك أكثر من حكومة بالدولة. وفي ما يلي قائمة تبين بعض فوائد الحوكمة المؤسسية:

– حماية مصالح جميع الأطراف ذات العلاقة.

– سياسات ملزمة للجهات الحكومية تنظم أعمال الحكومة، وتجبرها أن تعمل كوحدة واحدة.

– إعادة هندسة الإجراءات لتكون معيارية ومدعومة بمتحكمات (Audited Controller).

– وضوح وشفافية بما يخص الاستثناءات ومستحقيها.

– إدارة المخاطر من خلال نظرة شاملة للمنظومة الحكومية.

– منظومة متابعة وتقييم ومساءلة.

– من غير مساعد آلي (AI) أو بشري سيضطر المواطن للذهاب للوزارات لتخليص معاملاته المعقدة، في حين أن منظومة الحوكمة المؤسسية ستقنن وتضبط استخدام المفوّض القانوني، سواء كان آلياً وبشرياً، والذي سيُحدث تغييراً جوهرياً بالمعاملات الحكومية.

أرجو من هذا المقال أن يُنظر للحوكمة على أنها العلاج والمحفّز المتفق عليه، سواء بالحكومة أو المختصين بالعمل المؤسسي، فهي علاج لجلّ معوقات خطة الحكومة ولا تقتصر فائدتها على منصة الحكومة الموحدة «سهل» أو التحول الرقمي بشكل عام أو الحكومية الذكية بشكل أعم، بل تعتبر محفّزاً قوياً لجميع ركائز خطة التنمية، ولهذا تدفع الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية بالحوكمة.

وسأعطي مثالاً واقعياً: تم وقف التوظيف والنقل والترقيات (وهو كالعلاج بالكيّ) بسبب عدم وجود آلية موثوقة لضبط جودة القرارات المتعلقة بالتوظيف والنقل والترقيات.

والسؤال المهم: كيف ستقوم الحكومة بإلزام هيكلها الإداري بالحوكمة وهو غير المتعود على الالتزام؟

كبداية، يجب إقرار قانون من خلال مجلس الأمة يوفر غطاءً قانونياً ويوكل لجهة (أقترح جهاز متابعة الأداء الحكومي) مسؤولية تنفيذ منظومة الحوكمة على المستوي الوطني بجدول زمني ملزم (العصا)، وبالمقابل يجب تشجيع المبادرات الحكومية والدراسات الأكاديمية المرتبطة بالحوكمة والتنافس بين الجهات الحكومية (الجزرة).

ولا يسعني في آخر المقال سوى أن أعبر عن شكري العميق للمختصين والفنيين الذين استقبلونا في الماراثون، حيث كانوا شعلة حيوية ونشاطا أسهم في نجاح الحدث. وتبادلنا معهم أفكاراً حول مستقبل الرقمنة، والذكاء الاصطناعي، والبيانات الحكومية، فلهم جزيل الشكر.



Source link

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *